رندا كعدي المتلوّنة التي رمت لنا الطّعم وأوقعتنا بمصيدتها
تتبدل كالفصول لا تعرف لها وجهاً واحداً، فهي إما طرية كبتلات زهر أو قاسية كجذع شجرة معمرة. تغيّر ملامحها وكأنها تتقشر من نفسها، كل شيء ينم أنها من فصيلة التماهي. رندا كعدي ممثلة من طراز تجويد الدور حتى يصبح حقيقة لا شك فيها.
ثلاثية رندا كعدي في رمضان ( الحجة ضحى في قضية 20-20،و حنان في للموت و أم عماد في راحوا) متغيرة لا تشبه بعضها سوى أنها أم،. هي التي أجادت لعب دور الامومة بكل مصوغاته رقيقة وحنونة وطيبة وتارة قاسية وشريرة. تتنقل من شخصية الى أخرى، تخلع كل جلدها وتلبس أخراً. تشتتنا عن ماهيتها لنعترف لها أنها فنانة الأدوار كلها.
أعتدناها بدور المرأة الضعيفة والمغلوبة والمكسورة والأم الحنونة بصوتها الرقيق والمتهدج وأكتافها المطوية ومشيتها التي لا تطأ الارض. وإذ بها تقلب كل الأدوار والصور دفعة واحدة وترش وجهنا بالماء لنجدها واقفة كوتد رافعة عنقها كنسر مشرئب، بدت هامتها أطول، وصوتها أقسى ولفتتها كسيف مسنون يغرز في عيوننا شرر الشر.
هكذا بدت لنا رندا كعدي في مسلسل “راحوا” مع بديع أبو شقرا، وكارين رزق الله، بإدارة نديم مهنا، ممثلة قادرة أن تغشنا وأن تفتح شهيتنا على ممثلة متحولة لا شيء يبدو عصياً عليها. حضورها في “راحوا” لا يشبه كل ما نذكره عنها انغمست بالشر دفعة واحدة وطَلَت نفسها به وغيّرت “حلاسها” وطلّتها، فرفعت حواجبها وسننت نظراتها وارتدت عباءاتها المطرزة ورفعت عنقها عالياً كعنقاء لا يخيفها شر ولا ليل ولا بلاء لأنها صانعة كل هذا وأكثر.
“أم عماد “صدمتنا حتى الدهشة فما عدنا نعرفها وكأن بها تبدأ تاريخاً جديداً في التمثيل. رمت كل أثوابها القديمة الفقيرة وأظهرت نفسها سيدة الرخاء والقصور وأبدعت كأنها تولد من جديد. لا تعترف كعدي بعمر من أجل التغيير والتجديد، فهي كسرت كل قوالبها ودخلت في مكان جديد ومكانة جديدة مقنعة ومبهرة .ولادة تأتي دوماً بالعفوية والإبداع كأنها لا تمثل كأنها ولدت ممثلة. خامتها أصيلة لدرجة أنها تأخذنا حيثما تريد تطعمنا الطعم وبالها مرتاح أننا سنكون فريستها وسنشكرها لأنها غررت بنا وأوقعتنا في مصيدتها.
أكرمتنا رندا كعدي هذا الموسم من رمضان، فأشعلت مساءنا بثلاث شخصيات كل شخصية متغيرة ولا تشبه الأخرى. تطل علينا في “عشرين عشرين” مع قصي خولي ونادين نجيم بشخصية الحجة ضحى الخائفة على أولادها، الأم التي تعيش فطرتها دون تلوث بالرغم من أن سراديب الممنوعات تسكن في عقر دارها. تظهر شفافيتها كأنها مخلوق من طيب. تفعل الخير وتحن على الغريب وتشكل بقعة الحب والحنان في عمق الاجواء المشبوهة والاحياء الفقيرة. شخصية عطرية فيها حب وعطاء وكرم.
كل هذه الطراوة والحنان فجأة ينقلب إلى غموض وشر وقساوة في “راحوا” هذا التبديل في الأدوار الذي لا يوجد فيه أي قاسم مشترك سوى أن الموهبة فذة وقادرة أن تأتي بها واقفة كيفما وقعت.
وتتجلى كعدي في دور حنان في مسلسل “للموت” كأنها خيط النور في وسط عالم معتم . فهي الكهلة التي خمدت عشقها 37 لأحمد الزين “عبدالله” وأبقت على هذا الحب السري تطويه بخجل داخل روحها وتعيشه صورة وذكرى ونظرات لم تخب على مرّ السنين . وكجارة تعين جيرانها بالحب والكرم. ومديرة ميتم ما زالت تحمل همّ ابنائه المشتتين في دورة الحياة القاسية. تفتح صدرها وذراعيها كأم لبنات- ماغي بو غصن ودانييلا رحمة- ليسوا بناتها.
رندا كعدي الممثلة الصلبة القادرة أن تولد من كل الارحام وتصور المرأة بكل وجوهها وليس فقط دور الام الذي أبدعت به، بل أيضاً قادرة أن تمسك كل الأسلاك الاخرى وتضيئها بموهبتها.